World Report 2012

2011. و تواجه الدولة الوليدة تحديات رئيسية في مجال حقوق الإنسان، إلا أن المسؤولين أكدوا على اعتزام الحكومة الجديدة إقرار المعاهدات الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان.

تسبب تدفق اللاجئين والعائدين من الشمال في تحديات إنسانية رئيسية تواجه الدولة الجديدة. فخلال الفترة من يناير/كانون الثاني حتى أغسطس/آب 2011 تسببت المناوشات بين الجماعات القبلية المحلية والنزاع على الموارد في مقتل ما يزيد على 2600 شخص، حسب ما أوردت تقارير الأمم المتحدة. وفشلت الحكومة في الوفاء بمسؤولياتها في حماية المدنيين من العنف، إذ ارتكبت قوات الأمن في مواجهاتها للميليشيات المسلحة انتهاكات خطيرة ضد المدنيين. كما تسبب النقص في القدرات والتدريب اللازم لقوات الشرطة والقضاة والمدّعين في حدوث انتهاكات في مجالات تطبيق القانون وفي إدارة العدالة.

التطورات السياسية والتشريعية

اجري استفتاء يناير/كانون الثاني حول تقرير مصير جنوب السودان بموجب بنود اتفاق السلام الشامل لعام 2005، الذي وضع نهاية للحرب الأهلية التي استمرت أكثر من عقدين من الزمن. جرى التصويت على أساس الاختيار بين استمرار وحدة السودان أو انفصال الجنوب عن الشمال، وصوّت ما يزيد على 98% من المشاركين في الاستفتاء لصالح الإنفصال.

شكّل رئيس الدولة الجديد، سلفا كير، لجنة للمراجعة الدستورية بغرض صياغة دستور انتقالي للبلاد، إلا أن أحزابا معارضة شكت من غلبة الحركة الشعبية لتحرير السودان، الحاكمة في الجنوب، على عمل اللجنة، وانسحب كثيرون منها احتجاجا على ذلك.

بدأ العمل بالدستور الإنتقالي لدولة جنوب السودان اعتبارا من 9  يناير/كانون الثاني، على أن يظل ساريا لمدة أربع سنوات تعقبها انتخابات عامة يتم بعدها تبنّي دستور دائم. وكان الدستور الانتقالي قد وسّع دائرة السلطات الرئاسية ونص على قيام مجلس تشريعي ثنائي موسع يضم الجنوبيين الذين تركوا مواقعهم التشريعية في حكومة الوحدة الوطنية السابقة، كما نص الدستور كذلك على استيعاب الجيش الشعبي لتحرير السودان في القوات المسلحة لدولة جنوب السودان.  

التوتر على الحدود بين الشمال والجنوب

ظل التوتر في ازدياد تدريجي بين السودان وجنوب السودان خلال العام 2011. فقد تعثرت عدة مرات المفاوضات بين حزب المؤتمر الوطني، الحاكم في الشمال، والحركة الشعبية لتحرير السودان، الحاكمة في الجنوب، حول عدد من قضايا ما بعد الإنفصال، مثل اقتسام عائدات النفط وإدارة الحدود بين الدولتين، ووضْع منطقة أبيي المتنازع عليها بين الجانبين. وما يزال عدد من القضايا بلا حل حتى الآن.

النزاع في المناطق الحدودية كان له أثر كبير على جنوب السودان. فقد تسبب احتلال القوات السودانية على أبيي بقوة السلاح، في مايو/أيار 2011، في نزوح نحو 110000 شخص، توجهت غالبيتهم إلى ولاية واراب في جنوب السودان. كما أن القتال بين القوات المسلحة السودانية وعناصر الجيش الشعبي لتحرير السودان في جنوب كردفان تسبب أيضا في نزوح نحو 20000 شخص باتجاه ولاية الوحدة في جنوب السودان. يُضاف إلى ذلك أن حوالي 4000 شخص وصلوا إلى ولاية أعالي النيل عقب المواجهات المسلحة التي اندلعت في سبتمبر/أيلول بين القوات الحكومية وقوات الحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال في جنوب كردفان. وتواجه منظمات العون الإنساني صعوبة في توفير الاحتياجات الصحية والغذائية والأمنية للنازحين واللاجئين الذين فروا من مناطقهم بسبب النزاع.

ما تزال عودة الجنوبيين من الشمال مستمرة، إذ وصل خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2010 حتى اكتوبر/تشرين الأول 2011 نحو 340000 شخص، طبقا لتقديرات منظمة الأمم المتحدة. وعاد معظم هؤلاء خلال الأشهر التي سبقت الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب. وعزا العائدون أسباب قرارهم بالعودة للجنوب الى ازدياد مشاعر العداء للجنوبيين في الشمال وأيضا إلى عدم وضوح الرؤية حول أوضاع وشروط المواطنة في الشمال. وكان السودان قد أجرى قبل أقل من اسبوعين من الموعد المقرر للاستفتاء تعديلا على قانون الجنسية، الأمر الذي زاد من المخاوف إزاء احتمال نزع الجنسية السوادنية من كافة الجنوبيين المقيمين في الشمال، وهو إجراء خشى كثيرون من أن يجعلهم أفرادا بلا جنسية أو دولة ينتمون إليها.

النزاعات بين الجيش الشعبي لتحرير السودان والميليشيات المسلحة

تواصلت خلال العام 2011 عمليات التمرد المسلح للميليشيات المحلية ضد حكومة جنوب السودان، وهو تمرد بدأ أصلا بسبب رفض نتيجة الانتخابات العامة في أبريل/نيسان 2010. وأسفر هذا النزاع عن مقتل مئات المدنيين، بمن في ذلك أطفال ونساء، كما تسبب في نزوح عشرات الآلاف من السكان، خصوصا من ولايات أعالي النيل والوحدة وجونقلي.

فشلت الميليشيات المعارضة والقوات الحكومية، على حد سواء، في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين. ووثّقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وانتهاكات للقانون الدولي الإنساني بواسطة جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان خلال القتال في ولاية أعالي النيل، بما في ذلك قتل المدنيين وتدمير المنازل والممتلكات. وجاء في تقارير الأمم المتحدة ان جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان أطلقوا النار بصورة عشوائية، في مايو/أيار، على مدنيين خلال مواجهات مع ميليشيا مسلحة في منطقة جونقلي.

وكان الرئيس سلفا كير قد أصدر عفوا عاما عن أفراد الميليشيات المسلحة واستيعابهم في الجيش الوطني لدولة الجنوب شريطة الالتزام بالتخلي عن أسلحتهم. أبرم كثير من قادة الميليشيات اتفاقيات لوقف إطلاق النار مع الحكومة، إلا أن بعض الميليشيات ما تزال مستمرة في المناوشات مع قوات حكومة الجنوب.

العنف بين الجماعات القبلية المحلية

لم تتوقف موجات القتال بين المجموعات القبلية المحلية بسبب عمليات نهب الماشية والتنافس على موارد الأرض وخطف النساء والأطفال، الأمر الذي عرّض حياة المدنيين لخطر الموت أو الإصابة. وكانت المواجهات الأكثر عنفا قد وقعت بين مجموعات من النوير والمورلي بولاية جونقلي، حيث أسفرت المواجهات خلال الفترة بين أبريل/نيسان وأغسطس/آب الماضيين عن مقتل ما يزيد على 1000 شخص.

اتخذت الحكومة بعض الخطوات لإجراء مصالحة بين الجماعات القلبية المتجاورة، إلا أن الحكومة وقوات حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة، فشلتا في توفير الحماية للمدنيين وعجزتا أيضا عن منع وقوع هذه الأحداث، التي كثيرا ما تظهر مؤشرات مسبقة تدل على احتمال اندلاعها. وتسببت الالغام الأرضية والاوضاع الأمنية المتدهورة باستمرار في إعاقة وصول الخدمات الإنسانية والمساعدات إلى المناطق المتأثرة بهذه الأحداث. كما فشلت الحكومة كذلك في إجراء تحقيق رسمي حول الانتهاكات التي ظل المدنيون يتعرضون لها، فضلا عن فشلها في التأكيد على تثبيت مبدأ المساءلة.   

هجمات جماعة جيش الرب للمقاومة

الهجمات وعمليات الخطف التي يشنها "جيش الرب للمقاومة"، وهي جماعة تمرد أوغندية، ما تزال مستمرة وتشكل خطرا مستمرا على حياة المدنيين. فقد أشارت تقارير لمنظمة الأمم المتحدة إلى وقوع 25 هجمة منفصلة شنتها هذه الجماعة خلال العام 2011، غالبيتها في المناطق الغربية من جنوب السودان المتاخمة لجمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى. وقال مسؤولون محليون ان عمليات نزوح السكان نتيجة لهذه الهجمات باتت تشكل خطرا على الأمن الغذائي. ويواصل كل من الجيش الشعبي لتحرير السودان وقوات الدفاع الشعبي الأوغندية (الجيش الأوغندي) جهودهما في تحسين الأوضاع الأمنية بالإعتماد في الكثير من الأحيان على مجموعة دفاع محلية معروفة باسم "ذا آرو بويز".

تطبيق القانون وادارة العدالة

رصدت هيومن رايتس ووتش ووثّقت العديد من الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن، بما في ذلك عمليات القتل والضرب والنهب، خصوصا عند تنفيذ عمليات نزاع السلاح من المدنيين، فضلا عن عمليات التوقيف غير القانونية والإعتقال. كما أن قوات الأمن استخدمت أيضا عمليات التوقيف والتهديد لقمع معارضي الحزب الحاكم والصحفيين المستقلين.

وكانت منظمة الأمم المتحدة ومنظمات عون إنساني قد أوردت ان قوات من الشرطة والجيش وأفراد تابعون للسلطات المحلية قد قاموا بمضايقة موظفيها واستولوا على سيارات وسرقوا مواد إغاثة. كما أن ضباطا من الشرطة اعتدوا في جوبا على كبير مسؤولي مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان، ما اضطره لتلقي العلاج الطبي. وحذر الرئيس كير قوات الأمن من مغبة ارتكاب مثل هذه الاعتداءات. 

ثمة انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في مجال إدارة العدالة، مثل فترات الحبس الطويلة قبل المحاكمة، وسوء أوضاع الحبس. كما أن السلطات كثيرا ما تحبس القاصرين مع الكبار، فضلا عن وجود بعض الذين يعانون من إعاقات ذهنية في السجن من دون أي سند قانوني لحبسهم، كما أن هؤلاء لا يتلقون أي علاج. يُضاف إلى ذلك، أن عدم توفر المساعدة القانونية للمتهمين يجعلهم عرضة للانتهاكات المتعلقة بعدم توفر شروط التقاضي الصحيحة.  

الحقوق الإقتصادية والاجتماعية

يعاني ملايين الجنوبيين من عدم توفر فرص التعليم والرعاية الصحية ونقص الغذاء والمياه. إذ تشير تقديرات الحكومة إلى ان 47% من الجنوبيين يعانون من نقص التغذية، كما تشير إحصائيات أيضا إلى فرصة التعليم الابتدائي متوفرة فقط لأقل من نصف من هم في سن هذه المرحلة التعليمية، فضلا عن أن نسبة الأمية وسط النساء تبلغ 84%، كما ان معدل الوفيات يبلغ 2054 وسط كل 100000 فرد، وهو أعلى معدل وفيات في العالم.

حقوق النساء والفتيات

عادة ما تعاني النساء والفتيات من الحرمان من حق اختيار الزوج أو حق الإمتلاك أو الميراث. كما تتعرض النساء والفتيات لممارسات مذلة مثل الزواج القسري والزواج المبكر ووراثة الزوجة واستخدام الفتيات في تسديد الديون، فضلا عن تعرضهن لمختلف أشكال العنف المنزلي. ويتم حل النزاعات المنزلية عادة بواسطة محاكم تقليدية تطبق في الغالب عادات وتقاليد قائمة على أساس التمييز بين الجنسين.

الأطراف الدولية الرئيسية

شهد الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب في يناير/كانون الثاني مشاركة دولية على مستوى عال. إذ شارك في مراقبة عملية الاقتراع، التي أشارت التقارير إلى توافقها مع المعايير الدولية، نحو 600 مراقب دولي – بمن في ذلك مبعوثون من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدولة العربية والاتحاد الأوروبي والهيئة الحكومية للتنمية. 

اعترف السودان رسميا بجمهورية جنوب السودان في 8 يوليو/تموز 2011، وأعقب ذلك اعتراف فوري من عدة دول أخرى. وشارك في الاحتفالات بالاستقلال في مدينة جوبا نحو 30 رئيس دولة، بالإضافة إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، بان كي مون. وأصبحت دولة جنوب السودان عضوا في منظمة الأمم المتحدة في 14 يوليو/تموز، وانضمت إلى الاتحاد الافريقي في 27 يوليو/تموز.

عقب انتهاء تفويض بعثة الأمم المتحدة في السودان عند استقلال جنوب السودان، صادق مجلس الأمن بالإجماع على إنشاء بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، التي تضم قوات قوامها 7000 جندي وضابط، ومنحت تفويضا بـ"تعزيز السلام والأمن" والمساعدة على توفير الشروط اللازمة للتنمية، وتعزيز قدرات جنوب السودان في الحكم على نحو فاعل وديمقراطي.

واستمرت لجنة الاتحاد الأفريقي العالية المستوى المعنية في لعب دور فاعل في تسهيل المفاوضات بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني، بما في ذلك الدول الذي لعبته في التوصل الى الاتفاق بشأن سحب القوات العسكرية من منطقة أبيي، في شهر يونيو/حزيران، ودخول قوات المراقبة الأثيوبية. وأدت هذه الخطوة إلى اتخاذ مجلس الأمن قرارا بإنشاء قوة أمنية مؤقتة تابعة للأمم المتحدة في أبيي تضم قوات لا يتعدى قوامها 4200 فرد.

لم يتوصل مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، في دورته الـ18 إلى تعيين خبير مستقل، مثلما حدث بالنسبة للسودان، إلا ان المجلس نادى بتحديد مجالات المساعدة الفنية وبناء القدرات لترقية إحترام وصيانة حقوق الإنسان في جنوب السودان، وطلب من المفوض السامي لحقوق الإنسان تقديم تقرير في جلسة المجلس المقرر عقدها في سبتمبر/أيلول 2010 حول أوضاع حقوق الإنسان في جنوب السودان.

Associated documents